احساس بالشلل المرير .! أشرف عمر


احساس بالشلل المرير .! 

          

كانت ساعه مريرة واحساس بالحزن الشديد، فقد كنت في عمل ما بآخر المدينه الصناعيه التي تقع خارج المدينه لاكثر من 50 كيلو متر،وكان ينبغي عليّ العوده وقت خروج المدارس الفترة الصباحيه لأخذ بناتي من مدارسهم إلي البيت،ومازلتُ أفكر ماذا أفعل في زحام المدينه ،فلايجب أن أتاخر علي ابنتي الصغر ريتاج ، فقد شكت مديرة مدرستها تأخيرنا عليها عدة مرات ،وفجأة وأنا في طريق عودتي رن هاتفي المحمول ، وكان رقم غريب عن دليل هاتفي.،
- ألوالسلام عليكم .
- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته الاستاذ......
- نعم تفضل .
- الله يتفضل عليك
- الله يبارك فيك
-معك الاستاذ مسفر .من المدرسة المتوسطه
- اهلا وسهلا استاذ مسفر
- والله يا ابو محمد .،محمد سقط من الدور العلوي وهو يهرج مع زملائه .!
- محمد ابني ..؟
- اي والله .
فُزعت ،وما كدتُ أري الطريق فقد أظلمتْ الدُنيا في وجهي ،وشُل جسدي ، وما قويت يداي علي الامساك بعجلة قيادة السيارة ، وبصوت خافت مبحوح سألت الاستاذ مسفر
- ابني محمد بخير استاذ  ..
- والله بخير ،ماتقلق بسي يبدو رجلة فيها كدمات ورم يبدو والله أعلم  انكسرت.!؟
وقفزت رغما عني دموع حزن مصحوب بالشلل المرير
- رجل ابني محمد .؟
- اي والله يا ابو محمد .!
-  طيب جاي في الطريق
- مع السلامه
حمدت الله ودعوته ان تأتي العواقب سليمه وتكون كدمة بسيطه في ارجل ابني وسندي  محمد ،وهرولتُ بسيارتي وكدتُ أن اصدم بسيارتي سياره امامي ولكني لحقت الفرمله بقدمي ، وسألت نفسي لم لاتوفر ادارة المدرسة طبيب معالج او تتصل حتي بالاسعاف الحكومي؟ وقمت بالاتصال بالسيد مسفر الذي بلغني بالخبر المرير
- ألو نعم ؟
- أستاذ مسافر آلا يوجد عندكم  دكتور ، ولا تقدروا تتصلوا باسعاف الهلال الاحمر ليطمنونا علي ابني ؟
- لا مافي دكتور ولكن اتصل بالاسعاف .
- طيب ،
حوقلت وذكرتُ الله، فـ محمد ابني عافاه الله دائما معرضا للاخطار ، فعدتُ بذاكرتي الي الوراء لعدة سنوات عندما كان محمد في مرحلة تمهيدي روضه في عامه الرابع وداهمه فيروس اوربي نادر يحدث في المليون اسمه" انخشونلاين" يا سبحان الله الفيروس يترك اوربا بالكامل ويأتي يصيب ابني في آسيا.!، وظل ابننا محمد  علي اثره يتعالج في المستشفي لاسابيع ،والواقع كانت ظروفنا واحوالنا الاسريه والوظيفيه والعائلية وقتها افضل بكثير فكان هناك تأمين طبي واستقرار وظيفي وتمكنا من معالجة ابني واعادته لحالته الطبيعيه بحول الله، اما اليوم فلا يوجد لآوظيفه ولا تأمين ولا دياوله.! ، فلا اعرف كيف اعالج وانفق علي ولدي المكسور.!
وصلت الي مدرسة ابنتي الكبري ثم الصغري ومسرعاً بالسياره ،وقد لاحظتا ابنتاي تجهمي وعبوسي وسألتني ابنتي الكبري غيدا
- شايفينك  زعلان ، وجهك متغير في حاجه يا بابا .؟
- الحمد لله علي كل حال يابنتي .!
- وسألتي ابنتي الصغري ؟
- انت كويس يا بابا ماما كويسه !؟
-الحمد لله علي كل حال،
ولازلتا ابنتاي غير مصدقتان لي وتنظران لي ولبعضهما البعض، ثم سألت ابنتي غيداء مره أخري
- في ايه صحيح ، ايه اللي حصل ؟
لم استطع ان اكتم الخبر فبعد دقائق سيفاجيء بناتي برؤية اخيهم محمد بحالته .! فقلتُ:
- مشرف مدرسة محمد اتصل بي يقول محمد وقع من الدور العلوي و....  وهاجت البنتان في صوت واحد عالي جهوري
- محمد اخويه ؟
- أيوه .!؟
- اطلع بسرعه يا بابا نطمئن علي اخويه محمد ،
              هكذا قالت غيداء
والواقع فضلتُ عدم اصحاب بناتي معي واعدتهم الي البيت ، ورحتُ للمدرسه مسرعا وحيدا 
وصلتُ المدرسة وصعدتُ سريعا الدور العلوي ، وسألتُ علي مكتب المشرف وقيل لي انه في الزاوية اليسري ، ورحتُ اليه سريعا وجدتُ ابني محمد شاحب الوجه ممدا قدمه، احتضتُ ابني وقبلته ..
وصافحتُ السيد مسفر والذي بادرني بحديثه وهو مبتسم :
- محمد يلعب مع زمايله دفعوا بعضهم ودفعوه وسقط علي الارض  .!
- قلتُ الحمد لله ،
-طيب يا استاذ من هو اللي دفعه ؟
وكان يتجمع بعض الطلبه علي باب المكتب ممن اشتركوا في الدفع ،وسأل الاستاذ احدهم :
- يا متعب من هو اللي دفع محمد وقعه ؟
- لا ادري يا استاذ مين.!  كانوا مجموعه محمد القرني،ومنير ،والغامدي ،وسعد الزهراني ،.... و.. لم اري مين بالضبط !
لاحول ولا قوة الا بالله علي حال بلاد العرب ستظل كما هي ،وسيظل تفكيرنا كما نحن .!
- يعني ما تعرفوا مين ؟ قالها استاذ مسفر وهو يطالع في ، ومعناه انه لايدري ولم يحقق ولن يهتم .!، واخرج من درج مكتبه ورقه ببينات ابني محمد وقال لي،
- هذا نموذج لما ييجي الهلال الاحمر .
فعلا اتي اثنين من رجال اسعاف الهلال الاحمر ومعهم سرير نقل وسألوني
- انت والده ؟
- ايوه
- انتم مواطنين ؟
- لا
- في الحاله دي  سيكون علاج ولدك  مكلف عليكم ولابد ان تدفع 5000 خمسة آلاف تحت حساب ملف ابنك .!
وسألته
- ابني اصيب في مدرسة حكوميه والمفروض تعالجوه .
- والله يا اخي الكريم لايوجد علاج ببلاش ، وكما قلت لك لتفتح ملف في مستشفي الملك ...او التخصصي  او.. فلابد انك تدفع 5000 خمسة آلاف تحت حساب ، افضل دخله مستشفي خاص .!
واتصلت أم اولادي متلهفةً وسألتني عن ابننا محمد وطمأنتها وتعذرتُ لها لانشغالي ووعدتها للاتصال عليها بعد قليل ، واكملتُ حديثي  مع المسعفين 
- طيب حضراتكم تاعبين أنفسكم وجايين ليه؟
- جايين علي اتصال من المدرسه.. قالوا هنا حاله .!
ورد السيد مسفر
- انا اتصلت  بيهم
- طيب كانوا يسألوا الحاله مواطن او غير مواطن قبل ان يأتوا .!، ليوفروا قيمة بنزين الاسعاف ويوفروا وقتهم .!
وضحك السيد مسفر ، وحملقْ فيّ المسعفين ،
وسألني احدهم نساعدك تنزل ابنك سيارتك ؟
- لا والله اتعبكم معاي بعدين تدفعوني القسط الاول من قيمة الاتعاب .!
وتوكلتُ علي الله ثم علي نفسي و ساندتُ محمد ابني التي توكأ علي قدمه السليم وتوجع كثيراً أثناء نزوله سلالم الادوار الثلاثة المرهقه، حتي وصلته السياره  ،
رُحتُ مظلمة الدنيُا في وجهي ، لا اعرف كيف اتصرف ، واتصلت بي زوجتي ثانية ، ابلغت محمد ابني 
- رد يا حماده علي ماما
بينما رُحت ماذا افعل ؟واين اذهب ؟ طرأ علي فكري الاتصال باحد الزملاء للنجده ،وبينما افكر اخرجني ابني محمد من تفكيري 
- بابا تفضل كلم ماما 
- ايوه 
- عدي علي البيت خدوني معاكم نروح نشوف حل ونعالج ابننا 
- طيب 
رُحت افكر في حال هذا البلد الغني والذي يمتلك من الامكانيات  المادية المليارات والمليارات ويمكنه ان يعالج مئات الملايين من الناس ، ولايهتم بعلاج بني  الانسان من الضيوف والمقيمين.!مواطنين أو غير مواطنين، ونزل فيه  الاسلام وتعايش المسلمين من آلاف السنين علي أرضه.! لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم ..هكذا فكرتُ وقلت.!،
وفكرت بالاتصال بزميل لي محامي واسمه سمير ،ولكني لم اتوغل في المعامله معه لدرجة الاستدانة منه، ولكني مجبر تلك المره ،وطلبتُ اخونا سمير وبصوت خافت حزين 
- الو الاستاذ سمير ..الزي الصحه والاولاد 
- اهلا وسهلا استاذ.....
والله يا ابو احمد (كما اناديه دائماً) ابني محمد وقع في المدرسة ....   وقصصتُ عليه مختصر الموضوع ، وتقبل الرجل الكلام وقال عدي علي ّ اعرف طبيب جيد يشوفوه ويعمل اللازم 
 وفي طريقي مررت علي البيت لاخذ زوجتي كما وعدتها ، ورُحت لمقابلة السيد سمير ،وقابلته والواقع ارسلني مشكوراً الي مستشفي وقال انه تحدث مع طبيب اسمه د. ناجي في مستشفي .....
 وشكرته ورحتُ مسرعاً  مصطحباً ابني المكسور وزوجتي لعيادة د. ناجي كما قرأت وتأكدتُ من اسمه معلقاُ علي لوحة صغيرة علي باب العيادة  بذلك المستشفي النموذجي،كان ينتظرني وسمعت صوته من خارج عيادته وهو يقول  لممرضته
- ادخليهم يا ايمان 
رُحتُ مسلماًُ عليه ،ويبدو الرجل رآنا حزاني بائسين ، وقال لي 
- اطمئن الوحش دا ( مشيرا لابني ) هيبقي كويس بس هوه شقي حبتين مش كده يا وحش !
وبعد ان اجري د. ناجي  الاشعه ،وظهرت نتيجتها قال الرجل وهو يُطالع في جهاز الاشعه المضاءه امامه 
- واضح طبعا ان في كسر في رجله  وسيتم عمل جبيره وسنعطي لها بعض ادوية مضادة للالتهاب .
وبالفعل اجري الدكتور ناجي الجبيره الجبس علي قدم محمد تساعده ممرضته وقال 
- الجبيره مدتها حوالي شهر ونصف ،وسأعطيه خطاب للمدرسه راحة تامه بالبيت لمدة اسبوعين  
- واي ياخدمه يا وحش 
انصرفنا شاكرين السيد الدكتور ناجي ، ومتصلا علي الاستاذ سمير مره أخري لشكره هو الآخر ،وسيظل جميل د. ناجي ،والسيد سمير في عنقي واعانني الله علي سداده 
 جزاهم الله كل خير ،
قال رسول الله صل الله عليه وسلم المسلمُ أَخو المسلم، لا يَظلِمُه، ولا يُسْلِمُهُ، ومَنْ كَانَ فِي حاجةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ، ومَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يوم القيامةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ الْقِيامَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.،وهو حديث لمن يفهموه ويوعوه ،ويعملوا به.!

رحنا عائدين للبيت ،
عندها شعرتُ باني عاد الي جسدي وتعافي من الشلل ، وارتميتُ مددا علي سريرا مرتاحاً بعض الشيء.
                         الحمد لله 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبادرة خادم الحرمين الشريفين لتبني العقول الخلاقة أشرف عمر

قائمة أَعَلاَم محافظةْ الشرقيه .